تأزم العلاقات الروسية الإسرائيلية- الأسباب والآفاق المستقبلية

المؤلف: أندريه أونتيكوف11.11.2025
تأزم العلاقات الروسية الإسرائيلية- الأسباب والآفاق المستقبلية

أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى استدعاء السفير الروسي في تل أبيب، أناتولي فيكتوروف، لتوبيخه بسبب ما وصف بـ "تصريحات معادية لإسرائيل" صادرة عن مسؤولين روس. على الرغم من غياب تعليق رسمي من وزارتي الخارجية في كلا البلدين، فإن هذا النبأ ليس بالمستغرب أو المستبعد، نظرًا لحالة التوتر المتصاعدة في العلاقات الثنائية التي لم تشهد لها مثيلًا من قبل، حتى لو كانت تلك التقارير غير دقيقة تمامًا.

في هذا السياق، من الأهمية بمكان التذكير بواقعة تعكس هذا التدهور الملحوظ في العلاقات، حيث قامت وزارة الخارجية الروسية باستدعاء السفيرة الإسرائيلية في موسكو، سيمون هالبرين، في الخامس من فبراير الماضي. جاء هذا الاستدعاء على خلفية تصريحات أدلت بها هالبرين لصحيفة "كوميرسانت"، والتي اعتبرتها الخارجية الروسية "غير محترمة" لجهود روسيا في سبيل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.

بالإضافة إلى ذلك، لم تغض الخارجية الروسية الطرف عن تصريحات هالبرين التي "تهوّن من شأن" المحرقة، وتزعم أنه "لم يشهد التاريخ إبادة جماعية ممنهجة على أساس قومي مثل تلك التي تعرض لها الشعب اليهودي وحده". استغلت الخارجية الروسية هذا "الخطأ" لتذكير السفيرة الإسرائيلية بأن "القول بأن المحرقة كانت إبادة للشعب اليهودي وحده يتعارض مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة".

الجدير بالذكر أن التوتر بين روسيا وإسرائيل بدأ يأخذ منعطفًا جديدًا، بعد أن حاولت تل أبيب مرارًا وتكرارًا توجيه اللوم إلى موسكو لعدم اتخاذها موقفًا أكثر حدة تجاه أحداث السابع من أكتوبر في قطاع غزة.

على الرغم من أن موسكو أدانت في البداية هجوم حماس على إسرائيل، إلا أن الممارسات الإسرائيلية اللاحقة في القطاع، والتي تجاوزت كل الحدود الإنسانية، قد طغت على هذا الهجوم في ميزان المقارنة بين الفعل ورد الفعل.

إن قيام إسرائيل بقتل عشرات الآلاف من المدنيين في قطاع غزة، غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، من خلال الغارات والقصف العشوائي الوحشي، يثير تساؤلات حول رد الفعل الذي تتوقعه تل أبيب من روسيا أمام هذا المشهد المروع الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية على مدار الساعة ودون توقف. إن مطالبة روسيا، عبر مجلس الأمن الدولي، بالوقف الفوري لإطلاق النار وجميع العمليات العدائية في قطاع غزة، لا يحمل في طياته أي عداء لإسرائيل أو تأييد للفلسطينيين.

ينطلق هذا الموقف الروسي من اعتبارات إنسانية خالصة، حيث يجب وضع حد فوري للمجازر المروعة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة ضد سكانه الأبرياء.

من البديهي أيضًا أن العلاقات الروسية الإسرائيلية قد شهدت تدهورًا خطيرًا قبل أحداث السابع من أكتوبر، لأسباب أخرى لا تقل أهمية.

إن التقارب والتعاون المتزايد بين روسيا وإيران، في ضوء الأحداث في أوكرانيا، قد أثارا قلقًا بالغًا لدى الإسرائيليين. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن إسرائيل قد فعلت كل ما في وسعها لتوتر العلاقات مع موسكو، ليس فقط فيما يتعلق بموقفها من النزاع في أوكرانيا. فالضربات المتواصلة التي يشنها الطيران الإسرائيلي على أهداف داخل سوريا تضر بشكل مباشر بـ "هيبة" روسيا في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من أهمية التذكير الدائم بأن روسيا موجودة في سوريا تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

هنا، يجب أن نذكّر إسرائيل بأن روسيا لا تعتبر حماس حركة إرهابية، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تنطلق من هذه النقطة الأساسية عند تقييم مواقفنا تجاه هذه الحركة.

تسيء هذه الضربات الإسرائيلية بشكل كبير إلى سمعة موسكو في المنطقة، وهو ما ينعكس بوضوح في تعليقات وسائل الإعلام العربية. فهل يندرج هذا ضمن الأهداف الإسرائيلية لهذه الاعتداءات؟

هناك مسألة أخرى تتعلق بحقيقة أنه عندما بدأت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، لم نرَ أي جهود وساطة من الإسرائيليين أو أي محاولات لكبح الاندفاع الأمريكي المتهور نحو المواجهة، على الرغم من أن تل أبيب كان بإمكانها أن تلعب دور الجسر أو الوسيط مع الأمريكيين. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو.

بل على العكس تمامًا، فقد تبين أن إسرائيل قد انحازت تدريجيًا إلى جانب الموقف الأمريكي وتماهت مع موقف كييف، على الرغم من تأكيد موسكو أن أحد أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا هو القضاء على النزعات النازية داخل هذا البلد.

لا أرى هنا ضرورة لشرح العلاقة التي سادت بين الحكم النازي في ألمانيا والشعب اليهودي هناك، لكي نفهم الأبعاد الأخلاقية، على الأقل، للسلوك الإسرائيلي.

من بين الأمور الجديرة بالذكر في هذا السياق، أنه تبين أن حليفنا السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي في مقاربة الحرب مع أوكرانيا هي إيران. إن التعاون بين موسكو وطهران يتقدم بوتيرة متسارعة، وفي المقابل تعبر إسرائيل عن عدم رضاها، وتستدعي سفيرنا بين الحين والآخر لتعبر عن "انزعاجها". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عبرت إسرائيل عن استيائها من استقبالنا المتكرر لقيادة حماس في موسكو، وتخرج تل أبيب باستنتاجات وتصريحات توحي وكأننا نلتقي بإرهابيين، وهذا بالتأكيد غير صحيح.

هنا، يجب أن نذكّر إسرائيل بأن روسيا لا تعتبر حماس حركة إرهابية، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تنطلق من هذه المسألة الجوهرية عند تقييم مواقفنا تجاه هذه الحركة. بإمكان إسرائيل أن تقول ما تشاء، لكن هذا هو موقفنا من حماس: لا نعتبرها حركة إرهابية، ولدينا اتصالات مستمرة معها، وتضمنت هذه الاتصالات – من بين أمور أخرى – بحث ملف إطلاق سراح الأسرى الذين تحتجزهم الحركة منذ السابع من أكتوبر.

بدلًا من أن تثمن تل أبيب دور روسيا في هذا المسعى، بدأنا نسمع انتقادات من الإسرائيليين وعادوا مجددًا إلى مسلسل استدعاء سفيرنا لديهم.

بالعودة قليلًا إلى مجلس الأمن الدولي، نجد أن روسيا قد بذلت جهودًا مضنية لوقف الحرب الدامية في قطاع غزة. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل أوغلت تل أبيب في القصف العشوائي واستخدام التجويع كوسيلة ضغط على الفلسطينيين. نحن لسنا بـ "عميان"، ونشاهد هذه الممارسات يوميًا وبشكل واضح من جانب الإسرائيليين.

عندما تطرح روسيا مشروع قرار لوقف إطلاق النار بشكل عاجل في قطاع غزة، تنزعج إسرائيل منا. لماذا تنزعج؟ هل اتخذت تل أبيب خطوات بناءة قبل السابع من أكتوبر لتسوية النزاع مع الفلسطينيين؟ هل تحركت باتجاه خيار الدولتين والقبول بدولة فلسطينية مستقلة؟

لا، لم تفعل ذلك على الإطلاق، بل عطلت كافة أشكال الحلول السياسية، بل ووسعت من الرقعة الاستيطانية وأقامت مستوطنات يهودية جديدة.

هنا، لا يوجد أي جديد في الموقف الروسي، على الإطلاق. إن مقاربة روسيا معروفة وثابتة ولم تتغير. إن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجب أن يستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة، والحل واضح للجميع.

آفاق تطور العلاقات

أكرر وأقول إن المشهد يبدو غريبًا للغاية. فإسرائيل تضع مصالحها ومواقفها في المقام الأول، ولا تعير أي اهتمام لأي شيء آخر.

بالنسبة لهم، لا توجد أي أهمية للمصالح أو الهواجس الروسية. بينما قمنا نحن، من خلال قواتنا الخاصة في سوريا، بتسليمهم رفات الطيار الإسرائيلي زخاري باومل، الذي كان مفقودًا منذ عام 1982، وذلك عشية انتخابات كانت حاسمة للغاية بالنسبة لبنيامين نتنياهو في إسرائيل.

أي أننا، عمليًا، قدمنا له هدية مجانية وذات قيمة كبيرة في أوج حملته الانتخابية. وفي المقابل، ردوا علينا باستهداف المناطق السورية، فهل يعقل هذا التصرف؟

بناءً على ما سبق، فإن الحديث عن آفاق العلاقات بين موسكو وتل أبيب يتطلب إعادة "ضبطها" على أساس الاحترام المتبادل.

من البديهي أن تدرك تل أبيب أنه ليس من الضروري أن نتفق معها في كل شيء وفي كل وقت، ولا سيما في القضايا الجوهرية. إن الاحترام المتبادل والتخلص من عقدة الأنانية المتأصلة التي تعاني منها إسرائيل، هما شرطان أساسيان لتمهيد الطريق نحو تسوية العلاقات.

إذا لمسنا تجاوبًا من إسرائيل مع هذه المطالب، فسنبادر باتخاذ خطوات إيجابية نحوها. فمن المهم بالنسبة لنا استمرار التواصل معها في العديد من الملفات.

أما إذا بقيت مواقفهم على حالها الراهن، فلن نتخلى عن مصالحنا، بل سنتشبث بها بشكل أكبر، وفي الوقت نفسه، سنبدي مزيدًا من اللامبالاة تجاه المصالح الإسرائيلية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة